فصل: زكاة الركاز والمعدن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.ما جاء في الجمع والتفريق:

1- عن سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: «إنا لا نأخذ من راضع لبن، ولا نفرق بين مجتمع، ولا نجمع بين متفرق وأتاه رجل بناقة كوماء فأبى أن يأخذها» رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي.
2- وحدث أنس «أن أبا بكر كتب إليه: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين» وفيه: «ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية» رواه البخاري.
قال مالك في الموطأ: معنى هذا أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة، وجبت فيها الزكاة، فيجمعونها حتى لا يجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحد أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاة، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه، فيفرقونها، حتى لا يكون على كل واحد منهما إلا شاة واحدة.
وقال الشافعي: هو خطاب لرب المال من جهة، وللساعي من جهة، فأمر كل منهما أن لا يحدث شيئا، من الجمع والتفريق خشية الصدقة. فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة، فيجمع، أو يفرق لتقل، والساعي يخشى أن تقل الصدقة، فيجمع أو يفرق لتكثر فمعنى قوله: خشية الصدقة، أي خشية أن تكثر، أو تقل، فلما كان محتملا للامرين، لم يكن الحمل على أحدهما أولى من الاخر، فحمل عليهما معا.
وعند الأحناف: أن هذا نهي للسعاة أن يفرقوا ملك الرجل الواحد، تفريقا يوجب عليه كثرة الصدقة، مثل رجل له عشرون ومائة شاة، فتقسم عليه إلى أربعين، ثلاث مرات، لتجب فيها ثلاث شياه، أو يجمعوا ملك رجل واحد إلى ملك رجل آخر، حيث يوجب الجمع كثرة الصدقة.
مثل أن يكون لواحد مائة شاة وشاة، ولاخر مثلها، فيجمعها الساعي ليأخذ ثلاث شياه، بعد أن كان الواجب شاتين.

.هل للخلطة تأثير؟

ذهب الأحناف: إلى أنه لا تأثير للخلطة، سواء كانت خلطة شيوع أو خلطة جوار فلا تجب الزكاة في مال مشترك إلا إذا كان نصيب كل واحد يبلغ نصابا على انفراد.
فإن الاصل الثابت المجمع عليه، أن الزكاة لا تعتبر إلا بملك الشخص الواحد.
وقالت المالكية: خلطاء الماشية كمالك واحد في الزكاة ولا أثر للخلطة، إلا إذا كان كل من الخليطين يملك نصابا، بشرط اتحاد الراعي، والفحل، والمراح - المبيت - ونية الخلطة، وأن يكون مال كل واحد متمايزا عن الاخر، وإلا كانا شريكين، وأن يكون كل منهما أهلا للزكاة. ولا تؤثر الخلطة إلا في المواشي.
وما يؤخذ من المال يوزع على الشركاء بنسبة ما لكل، ولو كان لاحد الشركاء مال غير مخلوط اعتبر كله مخلوطا.
وعند الشافعية: أن كل واحدة من الخلطتين تؤثر في الزكاة، ويصير مال الشخصين، أو الاشخاص كمال واحد.
ثم قد يكون أثرها في وجوب الزكاة، وقد يكون في تكثيرها، وقد يكون في تقليلها.
مثال أثرها في الايجاب: رجلان لكل واحد عشرون شاة، يجب بالخلطة شاة، ولو انفردا لم يجب شئ.
ومثال التكثير: خلط مائة شاة وشاة بمثلها، يجب على كل واحد شاة ونصف، ولو انفردا، وجب على كل واحد شاة فقط.
ومثل التقليل، ثلاثة، لكل واحد أربعون شاة خلطوها.
يجب عليهم جميعا شاة، أي أنه يجب ثلث شاة على الواحد، ولو انفرد لزمه شاة كاملة.
واشترطوا لذلك:
1- أن يكون الشركاء من أهل الزكاة.
2- وأن يكون المال المختلط نصابا.
3- وأن يمضي عليه حول كامل.
4- وأن لا يتميز واحد من المال عن الاخر في المراح والمسرح والمشرب والراعي والمحلب.
5- وأن يتحد الفحل إذا كانت الماشية من نوع واحد.
وبمثل ما قالت الشافعية، ذهب أحمد، إلا أنه قصر تأثير الخلطة على المواشي، دون غيرها، من الأموال.

.زكاة الركاز والمعدن:

معنى الركاز: الركاز مشتق من ركز يركز: إذا خفي، ومنه قول الله تعالى: {أو تسمع لهم ركزا} أي صوتا خفيا.
والمراد به هنا: ما كان من دفن الجاهلية.
قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا، والذي سمعت أهل العلم يقولون: أن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية، ما لم يطلب بمال، ولم يتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل، ولا مؤونة.
فأما ما طلب بمال، وتكلف فيه كبير عمل، فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز.
وقال أبو حنيفة: هو اسم لما ركزه الخالق، أو المخلوق.
معنى المعدن وشرط زكاته عند الفقهاء: والمعدن: مشتق من عدن في المكان، يعدن عدونا، إذا أقام به إقامة، ومنه قوله تعالى {جنات عدن} لأنها دار إقامة وخلود.
وقد اختلف العلماء في المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة.
فذهب أحمد: إلى أنه كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها، مما له قيمة، مثل الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، والياقوت، والزبرجد، والزمرد، والفيروزج، والبلور، والعقيق، والكحل والزرنيخ، والقار والنفط والكبريت، والزاج، ونحو ذلك.
واشترط فيه، أن يبلغ الخارج نصابا بنفسه، أو بقيمته.
وذهب أبو حنيفة: إلى أن الوجوب يتعلق بكل ما ينطبع ويذوب بالنار، كالذهب، والفضة، والحديد والنحاس.
أما المائع، كالقار، أو الجامد الذي لا يذوب بالنار، كالياقوت، فإن الوجوب لا يتعلق به، ولم يشترط فيه نصابا، فأوجب الخمس، في قليله، وكثيره.
وقصر مالك، والشافعي، الوجوب على ما استخرج من الذهب والفضة، واشترطا - مثل أحمد - أن يبلغ الذهب عشرين مثقالا، والفضة مائتي درهم، واتفقوا على أنه لا يعتبر له الحول، وتجب زكاته حين وجوده، مثل الزرع.
ويجب فيه ربع العشر عند الثلاثة ومصرفه مصرف الزكاة عندهم.
وعند أبي حنيفة مصرفه مصرف الفئ.

.مشروعية الزكاة فيهما:

الاصل في وجوب الزكاة في الركاز، والمعدن: ما رواه الجماعة عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «العجماء جرحها جبار والبئر جبار، والمعدن جبار. وفي الركاز الخمس».
قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خائف هذا الحديث، إلا الحسن، فإنه فرق بين ما وجد في أرض الحرب وأرض العرب فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس، وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة.
وقال ابن القيم: وفي قوله: «المعدن جبار» قولان أحدهما:
أنه إذا استأجر من يحفر له معدنا، فسقط عليه، فقتله، فهو جبار.
ويؤيد هذا القول اقترانه بقوله: البئر جبار، والعجماء جبار.
والثاني: أنه لا زكاة فيه.
ويؤيد هذا القول، اقترانه بقوله: «وفي الزكاة الخمس» ففرق بين المعدن، والركاز، فأوجب الخمس في الركاز، لأنه مال مجموع يؤخذ بغير كلفة ولا تعب، وأسقطها عن المعدن، لأنه يحتاج إلى كلفة، وتعب، في استخراجه.

.صفة الركاز الذي يتعلق به وجوب الزكاة:

الركاز الذي يجب فيه الخمس، هو كل ما كان مالا، كالذهب والفضة، والحديد، والرصاص، والصفر، والانية، وما أشبه ذلك.
وهو مذهب الأحناف، والحنابلة، وإسحق، وابن المنذر، ورواية عن مالك، وأحد قولي الشافعي.
وله قول آخر: أن الخمس لا يجب إلا في الاثمان: الذهب والفضة.

.مكانه:

لا يخلو موضعه من الاقسام الاتية:
1- أن يجده في موات، أو في أرض لا يعلم لها مالك، ولو على وجهها، أو في طريق غير مسلوك، أو قرية خراب، ففيه الخمس بلا خلاف، والأربعة الاخماس له.
لما رواه النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: «ما كان في طريق مأتي: أو قرية عامرة، فعرفها سنة، فإن جاء صاحبها، وإلا فلك، وما لم يكن في طريق مأتي، ولا قرية عامرة: ففيه وفي الركاز الخمس».
2- أن يجده في ملكه المنتقل إليه، فهو له، لأن الركاز مودع في الأرض، فلا يملك مملكها وإنما يملك بالظهور عليه فينزل منزلة المباحات، من الحشيش، والحطب، والصيد الذي يجده في أرض غيره، فيكون أحق به إلا إذا ادعى المالك الذي انتقل الملك عنه: أنه له، فالقول قوله: لأن يده كانت عليه، لكونها على محله.
وإن لم يدعه فهو لواجده، وهذا رأي أبي يوسف والاصح عند الحنابلة.
وقال الشافعي: هو للمالك قبله، إن اعترف به وإلا فهو لمن قبله كذلك، إلى أول مالك.
وإن انتقلت الدار بالميراث حكم أنه ميراث، فإن اتفقت الورثة على أنه لم يكن لمورثهم، فهو لاول مالك.
فإن لم يعرف أول مالك، فهو كالمال الضائع الذي لا يعرف له مالك.
وقال أبو حنيفة ومحمد: هو لاول مالك للارض، أو لورثته، إن عرف، وإلا وضع في بيت المال.
3- أن يجده في ملك مسلم، أو ذمي، فهو لصاحب الملك عند أبي حنيفة ومحمد، ورواية عن أحمد.
ونقل عن أحمد أنه لواجده، وهو قول الحسن بن صالح وأبي ثور واستحسنه أبو يوسف، لما تقدم من أن الركاز لا يملك بملك الأرض، إلا إن ادعاه المالك، فالقول قوله، لأن يده عليه تبعا للملك، وإن لم يدعه فهو لواجده.
وقال الشافعي: هو للمالك أن اعترف به وإلا فهو لاول مالك.

.الواجب في الركاز:

تقدم أن الركاز هو ما كان من دفن الجاهلية، وأن الواجب فيه الخمس، وأما الأربعة الاخماس الباقية، فهي لاقدم مالك للارض إن عرف، وإن كان ميتا فلورثته، إن عرفوا، وإلا وضع في بيت المال.
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي ومحمد.
وقال أحمد وأبو يوسف: هو لمن وجده، هذا ما لم يدعه مالك الأرض.
فإن ادعى أنه ملكه، فالقول قوله اتفاقا.
ويجب الخمس في قليله وكثيره، من غير اعتبار نصاب فيه.
عند أبي حنيفة، وأحمد، وأصح الروايتين عن مالك، وعند الشافعي في الجديد: يعتبر النصاب فيه.
وأما الحول، فإنه لا يشترط بلا خلاف.
على من يجب الخمس: جمهور العلماء: على أن الخمس واجب على من وجده، من مسلم، وذمي، وكبير، وصغير، وعاقل، ومجنون، إلا أن ولي الصغير والمجنون هو الذي يتولى الاخراج عنهما.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الذمي في الركاز يجده: الخمس، قاله مالك، وأهل المدينة، والثوري، والاوزاعي وأهل العراق، وأصحاب الرأي، وغيرهم.
وقال الشافعي: لا يجب الخمس إلا على من تجب عليه الزكاة لأنه زكاة.

.مصرف الخمس:

مصرف الخمس - عند الشافعي - مصرف الزكاة لما رواه أحمد، والبيهقي عن بشر الخثعمي، عن رجل من قومه قال: سقطت علي جرة من دير قديم بالكوفة، عند جباية بشر، فيها أربعة آلاف درهم، فذهبت بها إلى علي رضي الله عنه، فقال: اقسمها خمسة أخماس، فقسمتها، فأخذ علي منها خمسا، وأعطاني أربعة أخماس، فلما أدبرت دعاني فقال: في جيرانك فقراء ومساكين؟ قلت: نعم، قال: فخذها، فاقسمها بينهم.
ويرى أبو حنيفة، ومالك، وأحمد، أن مصرفه مصرف الفئ، لما رواه الشعبي: أن رجلا وجد ألف دينار مدفونة، خارجا من المدينة فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخذ منها الخمس، مائتي دينار، ودفع إلى الرجل بقيتها، وجعل عمر رضي الله عنه يقسم المائتين، بين من حضره من المسلمين، إلى أن أفضل منها فضلة، فقال: أين صاحب الدنانير؟ فقام إليه، فقال عمر: خذ هذه الدنانير فهي لك.
وفي المغني: ولو كانت زكاة لخص بها، أهلها، ولم يرده على واجده، ولأنه يجب على الذمي، والزكاة لا تجب عليه.
زكاة الخارج من البحر الجمهور: على أنه لا تجب الزكاة في كل ما يخرج من البحر، من لؤلؤ، ومرجان، وزبرجد، وعنبر، وسمك، وغيره إلا في إحدى الروايتين عن أحمد: إذا بلغ ما يخرج من ذلك نصابا، ففيه الزكاة.
ووافقه أبو يوسف، في اللؤلؤ، والعنبر.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في العنبر زكاة، وإنما هو شيء دسره البحر.
وقال جابر: ليس في العنبر زكاة، إنما هو غنيمة لمن أخذه.